(( مشروعية رد السلام بالإشارة في الصلاة، ومشروعية رد السلام على من في
المسجد أيضاً ))
106-[185] ( خرج رسول الله إلى قباء يصلي فيه . فجاءته الأنصار؛ فسلموا
عليه وهو يصلي؛ قال : فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله يرد عليهم حين
كانوا يسلمون عليه وهو يصلي ؟ قال : يقول هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون
كفه؛ وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق ) .
" الصحيحة " : (1/310 ) حديث [185].
(( قال شيخنا في " الصحيحة " : 1/311-312 )) :
وقد ذهب إلى الحديث الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فقال المروزي
في " المسائل " ( ص 22 ) :
" قلت : ( يعني: لأحمد ) : يسلم على القوم وهم في الصلاة؟ قال نعم، فذكر
قصة بلال حين سأله ابن عمر: كيف كان يرد؟ قال: كان يشير . قال إسحاق : كما
قال " .
واختار هذا بعض محققي المالكية، فقال القاضي أبو بكر بن العربي في "
العارضة " ( 2/162 ) :
" قد تكون الإشارة في الصلاة لرد السلام لأمر ينزل بالصلاة، وقد تكون في
الحاجة تعرض للمصلي. فإن كانت لرد السلام؛ ففيها الآثار الصحيحة كفعل النبي
في قباء وغيره. وقد كنت في مجلس الطرطوشي، وتذاكرنا المسألة، وقلنا
الحديث واحتججنا به، وعاميّ في آخر الحلقة، فقام وقال : ولعله كان يرد
عليهم نهياً لئلا يشغلوه ! فعجبنا من فقهه ! ثم رأيت بعد ذلك أن فهم الراوي
أنه كان لرد السلام قطعي في الباب، على حسب ما بيناه في أصول الفقه " .
ومن العجيب أن النووي بعد أن صرح في الأذكار بكراهة السلام على المصلي قال
ما نصه :
" والمستحب أن يرد عليه في الصلاة بالإشارة، ولا يتلفظ بشيء " .
أقول : ووجه التعجب أن استحباب الرد منه أن يستلزم استحباب السلام عليكم
والعكس بالعكس، لأن دليل الأمرين واحد، وهو هذا الحديث وما في معناه، فإذا
كان يدل على استحباب الرد، فهو في الوقت نفسه يدل على استحباب الإلقاء، فلو
كان هذا مكروهاً لبينه رسول الله ولو بعدم الإشارة بالرد، لما تقرر أن
تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وهذا بيَّن ظاهر، والحمد لله .
ومن ذلك أيضاً السلام على المؤذن وقارئ القرآن، فإنه مشروع، والحجة ما
تقدم فإنه إذا ما ثبت استحباب السلام على المصلي، فالسلام على المؤذن
والقارئ أولى وأحرى .
وأذكر أنني كنت قرأت في المسند حديثاً فيه سلام النبي على جماعة يتلون
القرآن، وكنت أود أن أذكره بهذه المناسبة وأتكلم على إسناده، ولكنه لم
يتيسر لي الآن .
وهل يردان السلام باللفظ أم بالإشارة؟ الظاهر الأول، قال النووي :
" وأما المؤذن فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد لأن ذلك يسير لا يبطل
الأذان ولا يخل به " .
(( سنية رد المصلي السلام إشارةً، ونسخه لفظاً ))
107-[2917] قال : ( إنا كُنَّا نردُّ السلامَ في صلاتنا؛ فنُهينا عن ذلك
).
" الصحيحة " : ( 6/الثاني/997 ) حديث [2917] .
(( مناسبة الحديث ))
عن أبي سعيد الخدري: " أن رجلاً سلّم على رسول الله وهو في الصلاة، فردّ
النبي بإشارة، فلمّا سلّم قال له النبي " : فذكره .
((قال شيخنا في "الصحيحة": 6/ الثاني/ 999 )):
من فقه الحديث :
وفي الحديث دلالة صريحة على أن رد السلام من المصلي لفظاً كان مشروعاً في
أول الإسلام في مكة، ثم نسخ إلى رده بالإشارة في المدينة. وإذا كان ذلك
كذلك، ففيه استحباب إلقاء السلام على المصلي، لإقراره ابن مسعود على "
إلقائه "، كما أقر على ذلك غيره ممن كانوا يسلِّمون عليه وهو يصلي، وفي ذلك
أحاديث كثيرة معروفة من طرق مختلفة، وهي مخرجة في غير ما موضع .
وعلى ذلك فعلى أنصار السنة التمسك بها، والتلطف في تبليغها وتطبيقها؛ فإن
الناس أعداء لما جهلوا، ولا سيما أهل الأهواء والبدع منهم .